وكيل الأزهر: العلوم الشرعية ليست بمعزل عن التنمية المستدامة
جاء ذلك فى كلمته التى ألقاها فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وناقلا إلى الحضور جميعا تحيات فضيلته -حفظه الله- ورجاءه الصادق لهذا المؤتمر أن يطرح بحوثا جادة ورصينة، تكون دليلا على مرونة الموروث الفقهى والفكر الإسلامى، وتجاوزه لزمانه، وتفاعله مع العصر الحاضر، وقدرته على الإسهام بنصيب وافر فى حل مشكلات الواقع.
وأعرب الضوينى عن سعادته بهذا الحفل العلمى الذى تقوم عليه دار الإفتاء المصرية، تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وبحضور كوكبة متميزة من علماء الأمة الأجلاء الذين جاءوا من ربوع الأرض؛ ليناقشوا قضية مهمة، فى تكامل علمى بين متخصصين من علوم شتى.
وأكد فضيلته على أن «التنمية المستدامة» -وإن نشأت فى إطار الاقتصاد- فإن العلوم الشرعية ليست بمعزل عنها؛ بل إنها تضرب بسهم وافر فى إقرارها ورعايتها، وفى القرآن والسنة كثير من الآيات والأحاديث التى تدعو إلى عمارة الأرض وإصلاحها والإحسان إلى الوجود كله.
وأضاف: ويكفى ما تضفيه العلوم الشرعية من عمق للدراسات التنموية؛ فالمتأمل لواقع المجتمعات يدرك أن التنمية ومشروعاتها حين تقوم على المقومات المادية وحدها فإنها سرعان ما تؤدى إلى انهيار تنموى وتراجع حضارى، ولا ينبغى أن نخدع بما يصور لنا من تجارب تنموية حول العالم يشار إليها بالنجاح المبهر؛ فإن النجاح فى الجانب المادى وحده لم يستطع القضاء على الجرائم، ولم يقدم حلا للأسر المفككة، ولم يضع علاجا للاضطرابات الأخلاقية والسلوكية التى تهدد المجتمعات ومشروعاتها.
ولفت فضيلته النظر إلى أن مما يميز الفكر الإسلامى أنه يمتاز بالشمول الذى يتجلى فى معالجة قضايا الإنسان كفرد، وقضاياه كعضو فى مجتمع، ثم يعالج قضايا المجتمعات وما تفرضه علاقة التعارف الضرورية، وكل هذه المعالجات دون أى خيال أو مثالية مفرطة، ودون تضليل أو واقعية محبطة، وإنما معالجة وسطية تستجيب لاحتياجات الإنسان وتطلعاته، وترتب سلوكه وعلاقاته، وتحفظ عليه دينه ودنياه وآخرته.
وشدد وكيل الأزهر على أن الفتاوى الحضارية تدعم التنمية المستدامة، بل تصنع التنمية المستدامة، وفى المقابل فإن هناك فتاوى ضالة مضلة تعمل على تقويض البناء، وتعطيل العمل، وتأخير الركب، وتؤصل لقطيعة فكرية غاشمة، وعزلة حضارية ظالمة، تضر المجتمعات ولا تنفعها.
وأشار فضيلته إلى أن أحد المعوقات المعاصرة التى فرضت نفسها وبقوة على أجندة عمل المؤسسات هى «التغيرات المناخية»، والتى باتت تهدد التنمية، وتعوق مسيرتها بما تحمل من نذر مخيفة ومرعبة، توجب على البشرية أفرادا ومؤسسات ومجتمعات أن تعمل بجد لإيجاد علاج سريع لها، مؤكدا على أن الفتوى المنضبطة قادرة على توجيه الناس إلى السلوك الواجب تجاه هذه الأزمة الملحة.
وتطرق “الضوينى” إلى دور الأزهر الشريف قائلا: انطلاقا من الواجب الإيمانى والوطنى سار الأزهر الشريف بخطوات طيبة فى هذا السياق على المستويين المحلى والعالمى؛ فعلى المستوى العالمى شارك فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر فى مؤتمر قادة الأديان؛ لمحاولة الوصول إلى علاج يضع الجميع أمام مسئولياته، فضلا عن مشاركة قطاعات الأزهر مع هيئات أممية ودولية، وعلى الصعيد الداخلى أعلن الأزهر عن مبادرات مجتمعية، كان من أهمها: مبادرة «مناخنا حياتنا» ومبادرة «ولا تسرفوا»، وعقد شراكات علمية مع جامعات حكومية وخاصة معنية، ووجه قوافل توعوية إلى المحافظات الأكثر تضررا من التغيرات المناخية.
واستعرض فضيلته جانبا من نشاط الأزهر على مستوى التدريب مؤكدا على أن الأزهر الشريف يستهدف تدريب الدعاة من الوعاظ والواعظات على المفاهيم العلمية والشرعية المتعلقة بالمناخ، باعتبارهم قادة الرأى وموجهى الفكر متمنيا فضيلته المزيد من الأعمال الإيجابية من قطاعات الأزهر التى تدل على وعيها وقت الأزمات.
وشدد فضيلة وكيل الأزهر على أن الفتوى إما أن تكون مصدر ثراء وخصوبة للحياة تجدد نشاطها وتستجيب لمستجداتها، وإما أن توقف حركتها، وتجذر مشكلاتها، والفارق بين الأمرين هو المنهجية المعرفية المتبعة فى إصدار الفتوى، فإن كانت أصيلة فى التلقى، حكيمة فى التوصيل، ساعدت الإنسان على بناء تصورات صحيحة ومواقف سديدة نحو مجتمعه والمجتمعات الأخرى، ومن ثم فإنها تساعد على التنمية وبناء الحضارة، وإن كانت الفتوى زائفة ذهبت بالناس إلى الهواجس والقلق وربما الكراهية تجاه كل ما يساعد على التنمية، سواء أكانت التنمية للإنسان ذاته أو للكون من حوله.
واختتم فضيلته كلمته قائلا: وقد عانينا للأسف من هذه الفتاوى الزائفة، التى تحملها الفضائيات وصفحات الإنترنت، والتى تسعى لتحقيق مكاسب مادية، أو شهرة كاذبة، دون النظر لاستقرار مجتمع أو أمان وطن، وأن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، وأن تمتد أنشطة التنمية إلى الدين والدنيا والآخرة، بما يضمن التوازن والتوافق، وإن «الفتوى الرشيدة» هى التى تبصر الثوابت والمناهج والقواعد العلمية بعين وتبصر الواقع بالعين الأخرى فتصح الرؤية، وإنى لأتوق لهذه النتائج العملية التى أتوقع أن يتمخض عنها المؤتمر، سائلا الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد العالمين من آثار تغير المناخ، وأن يحمى مجتمعاتنا من زلل الفتـوى وخطرها.